حسنية

طعام الخليل لا ينسى

اليوم فتحتُ دفتر مذكراتي، كي أكتب لمرةٍ أخرى عن آخر يوم لي في رحلة تطوعي في مؤسسات مدينة الخليل، كم يحزنني الفراق، كيف سأغادرُ الذكريات الجميلة التي صنعتها هنا منذ اول يومٍ جئت فيه الى هذه المدينة! أتذكر لقائي الاول حين طرقتُ باب الجدة حسنية للاستضافة في منزلها، استدللت على المنزل بصعوبة، فقد بحثت يومها عن لافتات تحمل اسم بيت الجدة حسنية، لكن دون جدوى، لم يخطر في بالي أن البيت الذي سأمكث فيه هو بيت عائلة خليلية بحق، كنت أظنه بيت ضيافة يحمل اسم بيت الجدة حسنية، يا لجمال العيش في هذا البيت! كم مرت الأيام بسرعة، فقد أعطتني هذه الجدة دفئ العائلة الذي لم اجده في كندا، كانت بمثابةِ ام لي، انعكست مدينةُ الخليل وجمالها في قلبها، قلبتُ صفحات دفتري بحزنٍ شديد، لم ارد وداع المدينةِ ابداً … 
بدأتُ اقرأ ما وثقته من ذكرياتٍ جميلة في أول يوم لي في البلدةِ القديمة، جدرانها العتيقة، صوتُ الباعةِ المتجولين، وركض الأطفال حولي وهم يقولون “Hello Katya”. كانت قد اصطحبتني الجدة حسنية لرؤية الحرم الإبراهيمي، ورأيت أيضاً مكان بجوار الحرم يتجمع فيه بعض الأفراد حاملي أطباق طعام فارغة وآخرين يخرجون بأطباقهم مملوءة بطعام ساخن يتصاعد منه البخار، قالت لي الجدة أن هذا المكان يدعى التكية الإبراهيمية، حيث بنيت إبان حكم الأيوبيين، وأن هذه التكية عادة تعج بالناس بشكل كبير خلال شهر رمضان بشكل خاص من كل عام، وأنها تقدم الآلاف من الوجبات أيضاً على مدار العام، وفي البلدة نفسها، زرتُ المتحف الفلسطيني، حيث تنبض الحجارة بقصص الماضي وتحكي تاريخ الأرض وأهلها، ثم ذهبنا لرؤية كنيسة المسكوبية والأحواش السكنية والمقامات والاسواق، حتى تعبنا وجلسنا في مطعمٍ قريب كي نتناولُ القدرة الخليلية، كانت القدرة لذيذة جداً وطعمها لا ينسى... وكان هذا المطعمُ مثيراً للاهتمام! خصصت أحد الطاولات فيه لإطعام فقراءِ المدينةِ وزائريها دون مقابل، كان هذه الطاولة بمثابة مثالاً حيّاً على كرم أهل المدينة، وحينها تأكدت من المقولة أن هذه المدينة لا ينام فيها أي جائع.
كم كنتُ قد سمعت عن مدينة الخليل وكرمِ أهلها! لكن ما أذهلني في زيارتي جمال الاماكن الخضراء والأماكن الاثرية فيها، فقد زرتُ في اليوم التالي عين قشقلة وعين سارة وعين واد الجوز وتل الرميدة والكثيرُ من العيون والينابيع، فقد قالت لي الجدة حسنية ان تاريخ مباني المدينة وأماكنها الاثرية يعود إلى العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني، كنتُ بعد العودة من كل زيارة لي اكتبُ ما رأيته في دفتر مذكراتي واصور جمال الاماكن بالكاميرا التي احملها معي دائما، لكنني قررت في ذلك اليوم ان التقط بعض الصور لي وللجدة حسنية، كي تبقى صورتها معي وفي قلبي دائماً.  
لم ارد ان تنتهي زيارتي للمدينة دون الذهاب الى قراها ورؤية الفلاحين وهم يقطفون ثمارهم، فذهبنا لزيارة الجنوب الغربي في المدينة، فقد اخذتني الجدة حسنية لزيارة أقرباء لها في قرية دير سامت، نزلت مع العائلة والاحفاد لقطف العنب  في أجواء تملؤها الفرح والسعادة، ثم اصطحبني الأطفال لزيارة دير في القرية يدعى دير سامت، وهو يعود لراهب عاش فيها يسمى سامي ، التقطت بعض الصور للمبنى والحجارة القديمة.
كنت قد قرأت أحد المقالات عن متحف في أحد المنازل أهل القرية، يدعى الحاج إسحق الحروب -أبو إياد، جميع فيه مقتنيات على مدار 65 عاماً من حياته، تلامس جوانب الحياة العتيقة من أدوات أكل وزينة وطرب ولباس وفكر وقصص وكتب وأدوات منزلية ومفاتيح بيوت، أصبحت أثراً بعد عين، طلبت من أقارب الجدة أن يدلوني عليه حتى أزوره، يا له من مكان رائع! فيه عبق التاريخ وجمال حياة الشعب الفلسطيني منذ القدم، بعد هذه الزيارة السريعة عدنا مساء الى منزل أقرباء الجدة حسنية، فقد كانوا ينتظروننا على مائدة الطعام، كانت رائحة القدرة الخليلية تفوح من الخارج ، جلست والطعام كان شهيا جدا ، ولا أعتقد أنني سأنسى يوما طعمها. 
قررت أن أعاود هذه التجربة الجميلة مرة أخرى، لكن برفقة أصدقائي، أول ما سأفعله عند عودتي هو دعوتهم لتناول القدرة الخليلية في مدينة الخليل وزيارة الجدة من جديد. 
هل تعلم ان مدينة الخليل هي إحدى المناطق التي يمر بها مسار فلسطين التراثي – حيث يمكنكم التجول ، الاستمتاع بجمال  وتنوع طبيعة فلسطين والتعرف على تاريخها وتراثها  ، لمزيد من المعلومات عن مسار فلسطين التراثي يمكنكم زيارة الويب سايت https://phtrail.org/