جورجيت

بيت لحم تنتظركم كل عام

منذ خطوتنا الأولى في بيت لحم، أدركت أن هذا المكان ليس مجرد وجهة، بل هو فصل من كتاب التاريخ الحي! تسللت روح المدينة إلى أرواحنا مع كل خطوة بين شوارعها العامرة بالسياح وجدرانها العريقة التي تحكي قصص ولادة المسيح. جورج، رفيقي في هذه الرحلة، كان متألق العينين بنفس درجة توقي إلى استكشاف هذه المدينة العريقة.
اقتربنا أكثر لنرى المحلات التي تعرض التحف المصنوعة من خشب الزيتون، والأقمشة المطرزة بألوان زاهية وجذابة، مشينا في الطريق نتأمل المدينة التي تعج بالحياة ويفوح من حجارة أبنيتها عبق التاريخ ، ومررنا  بمطعم تفوح منه رائحة الفلافل على مقربة من ساحة كنيسة المهد ، وقفنا نتأمل الرجل وهو يصنع الفلافل في أحد زوايا المطعم، وقد أخبرنا رجل من المارة ، قائلا: إن هذا المطعم هو مطعم اليافاوي افتيم؛ الذي ترجع أصوله الى عائلة هجرت من يافا الى بيت لحم عام ١٩٤٨م ؛ ولعل معرفتنا أن هذا المطعم هو الأشهر على الإطلاق... جعلتنا نجلس لتناول الفطورُ فيه...
بعد وجبة شهية، انطلقنا نحو كنيسة المهد، التي تعانق السماء بأروقتها الفخمة وأدراجها المهيبة، هناك، في أحضان هذا الصرح، يقبع سر الميلاد، حيث نجمة فضية على أرضية رخامية تشير إلى المكان الذي وُلد فيه يسوع، وأثناء تجولنا في أروقة الكنيسة سمعنا أحد الأدلاء السياحيين يخبر مجموعة السياح التي يرافقها أن مدينة بيت لحم مدينة كنعانية قديمة سكنها الكنعانيون منذ حوالي سنة 2000 قبل الميلاد، وأنه في عام 2014، تم إدراج البلدة القديمة وكنيسة المهد على قائمة التراث العالمي، وهذا ما زاد اعجابنا بالمدينة وانجذابنا لجذوره التي تضرب بعمق التاريخ.

خارج الكنيسة، التقينا بسيدة عجوز ذات ابتسامة دافئة وعينين تختزلان تاريخ المدينة، "أنا جورجيت، عمري خمسة وثمانون عامًا"، قالت بصوت ينبض بذكريات السنين، وأشارت نحو الجهة المقابلة للكنيسة، حيث يوجد مسجد يحمل اسم عمر بن الخطاب، فهو مسجد يتربع على مقربة من كنيسة المهد، لتُظهر لنا كيف يمكن للتاريخ أن يجمع بين الأديان في رقصة سلام أبدية؛ "في بيت لحم، الحياة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين، نعيش هنا جنبًا إلى جنب"، قالت بصوت يفيض فخرًا، وأضافت:" هذا العيش المشترك بين الأديان كان ولا يزال منذ زيارة الخليفة عمر بن الخطاب للمدينة عام 648 م، حينما كتب سجلاً للبطريرك صفرونيوس بأن لا يصلي في كنيسة المهد من المسلمين إلا رجلاً بعد رجل، ولا يجمع فيها صلاة، ولا يؤذن فيها، ولا يغير فيها شيء ومنذ ذلك الحين تبنى المساجد بقرب الكنائس تخليدا وتطبيقا لهذا الوعد.
بعد هذا الحديث حثتنا جورجيت على زيارة دير بئر السيدة في بيت ساحور، ودير مار سابا ، وكنيسة العذراء، وكنيسة القديس نقولا، إضافة لدير الجنة المقفلة وبرك سليمان في قرية ارطاس القريبة من بيت لحم، كما قالت أنه يمكننا أيضاً التخييم في بريةِ بيت لحم ورؤيةِ القمر ليلاً، ولكن ما جذبنا بشكل كبير وتشوقنا لزيارته كانت حارة السبع أرامل في قرية بتير، اوما جذبنا أكثر كانت قصة هذه الحارة والتي تروي قصة سبع أرامل من القرية، تلك الحارة التي تعتبر واحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية في القرية، هذه الحارة، بمنازلها القديمة البسيطة الملتصقة ببعضها البعض، تحكي قصة سبع نساء ترملن في سن الشباب ولكنهن كافحن ونجحن في زراعة الأرض لإعالة أسرهن، تتميز هذه الحارة بموقعها الذي يطل على منطقة الجنان، سلة الخضار والفواكه في بتير، وعلى سكة قطار القدس-يافا العثمانية.
توجهنا لقرية بتير، وتجولنا في حارة السبع أرامل، نتأمل قصصهن التي تكاد تكون منقوشة على جدران المنازل العتيقة، ونشعر بالروح الصامدة لهؤلاء النساء، كانت كل زاوية في هذه الحارة تروي حكاية عن العمل التعاوني والتكافل الذي ساد بين هؤلاء الأرامل السبع، اللواتي واجهن تحديات الحياة بكل شجاعة وعزم.
بحماس متجدد، قررنا مع جورج استكشاف كل ركن في هذه المدينة الغنية بالتاريخ والروحانية، وودعنا جورجيت بقلوب ممتنة لهذا اللقاء الذي سيظل خالدًا في ذاكرتنا، ومع تأملنا في عبق التاريخ، شعرنا بأن بيت لحم تنتظرنا كل عام.
هل تعلم ان مدينة بيت لحم هي إحدى المناطق التي يمر بها مسار فلسطين التراثي – حيث يمكنكم التجول ، الاستمتاع بجمال  وتنوع طبيعة فلسطين والتعرف على تاريخها وتراثها  ، لمزيد من المعلومات عن مسار فلسطين التراثي يمكنكم زيارة الويب سايت https://phtrail.org/