مهدية

مهدية والعطلة الصيفية 
كنت انتظر الصيف على أحر من الجمر للخروج في عطلة صيفية مع ابي وامي واختي دانا، فقد وعدنا ابي ان نقضي العطلة الصيفية في مدينةِ أريحا، جهزت ملابسي وارتديت قبعة وردية اللون كي تحميني من حر الصيف. خرجنا من منزلنا باكرا عندما دقت الساعة الثامنة صباحا، كنا متحمسين جدا لقضاء العطلة في مدينة أريحا. حينما اقتربنا من منطقة الأغوار قال أبي: الان ستشعرون بالطنين في اذنيكم؛ لأننا في اخفض بقعة عن سطح البحر في العالم، بدا لنا الأمرُ مثيراً للاهتمام … بدأتُ ارقبُ الطريق من النافذة منذ لحظة رؤيتي لافتة "مدينة القمر ترحب بكم"، سألت أبي عند قراءتي لهذه اللوحة: "ألم تقل لنا يا أبي أننا سنزور أريحا؟! هذه مدينة القمر!" قال أبي وهو يضحك: "اسم أريحا أصله ساميّ وعند الكنعانيين يعني مدينة القمر، فأريحا هي مدينة إله القمر الكنعاني "ياريخ"، وتعني كذلك كلمة أريحا بالسريانية الرائحة والأريج، كذلك أطلق على المدينة اسم مدينة النخيل وحديقة السماء"، قررت أن أشارك هذه المعلومة مع صديقاتي في المدرسة عند عودتنا لمقاعد الدراسة بعد العطلة الصيفية وعدت لأنظر للمساحات الزراعية الخضراء وأشجار الموز والنخيل والحمضيات في الطريق، بالإضافة الى البيوت البلاستيكية والمزروعات، وكان يتخلل هذه الأراضي قنوات مياه، وكانت المعلمة في المدرسة قد أخبرتنا عن هذه القنوات وأنها تربط بين الثلاثة ينابيع الرئيسية هي عين السلطان وعين الديوك وعين النويعمة والأراضي الزراعية. قال أبي: إن المدينة مليئة بالأماكن التي تستحق الزيارة!  
قالت اختي دانا وهي تنظرُ الى الطريق: نريد أن نسبح يا أبي، هل يمكنك أخذنا الى البحر الميت؟ أمي فقد كانت تفضلُ الأماكن التي تستطيع المشي فيها ورؤية الطبيعة، فاقترحت الذهاب الى وادي القلط ودير قرنطل، كانت الخياراتُ عديدة، مما دفع ابي للذهاب الى تل السلطان (البلدة القديمة في أريحا) لرؤية الجدة مهدية – قال لنا أبي أنها صديقة جدتي، اوقف ابي السيارة على الرصيف  وطرقنا باب منزلها، انتظرنا قليلاً .. وإذ بالباب تفتحه جدة كبيرة في السن، اكتسى البياض شعرها، والتجاعيد وجهها، حينما رأت أبي تذكرته ورحبت بنا، قلنا لها اننا لن نأخذ من وقتها كثيراً، فقط نريدُ نصيحة منك من أين نبدأ رحلتنا، نظرت الجدة مهدية الى ملامحنا وقالت: أترون ذلك البرج الحجري؟ هذا أحد المواقع الأثري الشهيرة في أريحا، وهو أحد أقدم المعالم في المدينة، يعود تاريخه إلى أكثر من 8000 عام، ويمثل الإنجازات الهندسية والمعمارية لسكان أريحا القدماء، ابدأو جولتكم منه، فهو في منطقة تل السلطان والتي لغناها الثقافي والتاريخي تم إضافتها مؤخراً للائحة التراث العالمي، دعوا خطواتكم تسيرُ في الموقع فهو تاريخ حضاري يمتد نحو 10 آلاف سنة، وتعود أقدم هذه الآثار إلى الحضارة النطوفية (10-8 آلاف سنة قبل الميلاد)، وتتكون من أدوات صوانية، والتي تدل على وجود سكن نطوفي بالقرب من عين السلطان.  
ذهبنا إلى حيث قالت لنا الجدة مهدية، وبينما كنا نتجول في الموقع، كنت أتأمل كيف كانت هذه الأرض شاهدة على تطور الحياة البشرية من العيش في الكهوف إلى بناء المدن وتطوير الزراعة، في قلبي كنت أشعر بالإعجاب بقدرة الإنسان على التكيف والابتكار عبر العصور، فقد قرأت على أحد اللوحات التعريفية بالمنطقة هناك أن أريحا تعتبر من أقدم المدن في التاريخ فهي أول حاضرة في التاريخ الإنساني، حيث نجد فيها آثار ثورة العصر الحجري والتي انتقل فيها الإنسان من حياة التنقل و الترحال بحثا عن الطعام إلى حياة الاستقرار التي تعتمد على الزراعة وتدجين الماشية وبصورة خاصة "القمح" و "الجدي".
انتقل بعدها لجبل قرنطل، حيث يوجد دير القرنطل، وهو المكان الذي قضى فيه المسيح أربعين يوما، تخيلت الأيام التي قضاها المسيح في الصحراء، وهو يتجرد ويقاوم الإغراءات، كان المكان ينبض بالروحانية والقداسة، وكأن الأحجار نفسها تحمل ذكريات تلك الأيام.
حملتنا الطريق بعدها لقصر هشام بن عبد الملك، وهو القصر الشتوي للخليفة الأموي، في الساحة الرئيسية للقصر نجد من بقايا القصر أحد نوافذ القصر، وهي نافذة قديمة على شكل دائري وداخله نجمة تنتصب في وسط الساحة، كما  رئينا أرضية كبيرة جدا من الفسيفساء، كُتِب على اللوحة بجانبها أنها من أكبر لوحات الفسيفساء في العالم، وأن هذه الأرضية كانت أرضية أحد حمامات هذا القصر الأموي، كانت كل قطعة تحكي قصة، وكأن الجدران نفسها تروي عن الحضارة الإسلامية العظيمة في تلك الحقبة. 
لجماليا  اريحا، تسحركُ إليها كما لو أنك لا تودُ المغادرة…
هل تعلم ان مدينة اريحا هي إحدى المناطق التي يمر بها مسار فلسطين التراثي – حيث يمكنكم التجول ، الاستمتاع بجمال  وتنوع طبيعة فلسطين والتعرف على تاريخها وتراثها  ، لمزيد من المعلومات عن مسار فلسطين التراثي يمكنكم زيارة الويب سايت https://phtrail.org/