Skip to main content

أشجان عويس

  خلية النحل 

  هل تعلم أن النحل يعتبر من الكائنات الأساسية التي تساهم في نمو النباتات وتكاثرها؟ يكمن دور النحل في عملية التلقيح، حيث ينقل حبوب اللقاح بين الأزهار، مما يساعد على إنتاج الثمار والبذور. ومن خلال هذه العملية، يسهم النحل في الحفاظ على التنوع البيولوجي وزيادة الإنتاج الزراعي. لكن تأثيره لا يتوقف هنا؛ فالنحل يعد جزءًا أساسيًا من النظام البيئي، حيث يساعد في تعزيز الاستدامة البيئية. 

  هذا الدور الحيوي للنحل يشبه إلى حد كبير عملي كمرشدة أعمال، حيث أساهم في دعم السيدات صاحبات المشاريع الصغيرة، مما يساعدهن على تطوير مشاريعهن وتحقيق النمو المستدام. مثلما يعمل النحل على نشر الحياة في البيئة، فإنني أعمل على نشر الفرص وتوجيه النساء نحو النجاح والتوسع في أعمالهن. 

 في مجتمعنا الفلسطيني، لطالما لاحظت أن العديد من النساء صاحبات المشاريع الصغيرة يواجهن تحديات كبيرة في إدارة أعمالهن، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد. 

   كانت معظمهن تسعى للنجاح بمشروعها، ولكن واجهن صعوبة كبيرة في التسويق، وكذلك في تطوير المهارات الإدارية لديهن، وهو ما كان يؤثر بشكل مباشر على فرص نمو مشاريعهن. 

  في بداية عملي كمرشدة، لاحظت حقيقة صعبة، وهي أن الفرص المتاحة للسيدات في المجتمع كانت محدودة حيث أن معظم البرامج التي قدمتها المؤسسات كانت قصيرة الأمد، وغير مستدامة، مما جعل النساء يشعرن بأنهن بحاجة إلى دعم مستمر. وكان من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين الطموح والإمكانات. إلا أن مبادرة مؤسسة "ابتكار" التي أعمل بها، قدمت لنا الفرصة لتغيير حياة السيدات. 

  قامت هذه المبادرة بتوفير أرضية صحيحة تقف عليها المشاريع من خلال عمل خطة تسويقية وخطة محتوى وتحديد مواصفات العميل النموذجي للمشروع، بالإضافة إلى الدعم المستدام الذي تحتاجه صاحبات المشاريع. 

نحن في "ابتكار" نؤمن أن الدعم الحقيقي يتطلب جهداً مستمراً، وكان دوري كمرشدة أعمال أن أكون جزءًا من هذا التغيير، وأن أقدم لهن الأدوات اللازمة ليس فقط للنمو، بل للاستمرار. 

  في هذا السياق، بدأت بتقديم جلسات إرشادية تركز على تحسين مهاراتهن في التسويق وإدارة الأعمال. كان الهدف هو تزويدهن بالأدوات الأساسية التي تتيح لهن إدارة أعمالهن بثقة واحترافية. استخدمت معرفتي في التسويق الرقمي لمساعدتهن على الترويج لمنتجاتهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، كنت أركز بشكل خاص على بناء الثقة بالنفس، حيث كنت أؤمن أن المرأة التي لا تشعر بأنها قادرة على إدارة مشروعها بشكل مستقل لن تستطيع أن تحقق النجاح. 

  شعرت بتأثير كبير عندما بدأت إحدى المشاركات بتطبيق ما تعلمته من لقاءاتنا ونشر منتجاتها على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام" و"فيسبوك". بعد أن كانت لا تعرف تماماً كيف تتعامل مع التكنولوجيا. بمجرد أن تمكنت من معرفة كيفية التفاعل مع جمهورها، لاحظت تغيّراً ملحوظاً في أسلوبها وطريقة تعاملها مع زبائنها. وقد أصبح مشروعها جزءًا مهماً من حياتها اليومية. 

كنت أؤمن أن دور المرشد لا يقتصر فقط على تقديم المعرفة، بل يجب أن يتضمن تحفيز الشخص على تجاوز العقبات والتحديات في طريقه. وبفضل التوجيهات المتخصصة التي قدمتها، بدأت النساء في تعزيز مهاراتهن، وتحقيق نتائج ملموسة في حياتهن المهنية والشخصية. 

مع مرور الوقت، بدأت أرى النتائج التي كنت أتمنى أن تحدث. من خلال متابعة حثيثة، أصبح لدينا العديد من قصص النجاح التي أفتخر بها. على سبيل المثال، تحولت النساء من مجرد صاحبات مشاريع صغيرة متوقفة عن العمل إلى صاحبات مشاريع قابلة للنمو المستدام. على الصعيد المالي، شهدنا زيادة في المبيعات بنسبة تراوحت بين 20% إلى 40% في مشاريعهن بعد تطبيق الاستراتيجيات التي تعلموها. 

إحدى المشاركات كانت تبيع منتجات يدوية من التطريز البرازيلي والخرز. بعد أن طورت أساليب التسويق الرقمي لديها، تمكنت من توسيع قاعدة عملائها، وتمكنت من تلقي مبيعات جديدة بعد تطبيق النصائح التي تلقتها. حيث كانت مبيعاتها متوقفة منذ نوفمبر 2023 بسبب الوضع السياسي والاقتصادي الذي تتعرض له البلاد، هذا النجاح لم يكن فقط في الأرقام، بل في الثقة التي اكتسبتها المرأة بعد إدراك أهمية مشروعها. مما شجعها على تطوير منتجاتها ودخول أسواق جديدة. هذه السيدة حصلت على فرصة جيدة لتطوير منتجاتها من خلال حصولها على منحة من إحدى المؤسسات الداعمة لشراء معدات جديدة لمشروعها من خلال فرص قيمة قمت بمشاركتها معها سابقاً، مما ساهم في نقل المشروع نقلة نوعية من خلال تنوع المنتجات وزيادة نسبة المبيعات. 

تجربتي الشخصية كمرشدة أعمال كانت أيضاً مليئة بالنمو، من خلال العمل مع هؤلاء النساء، تعلمت كيف يمكن للإرشاد أن يكون عملية متبادلة. فأنا أملك مشروعي الخاص، الذي تطور من خلال تعلمي من السيدات، حيث تعلمت كيف أكون أكثر صبراً وتفهماً لاحتياجات الزبائن. كنت أرى كيف كانت كل جلسة إرشادية تحدث فارقًا، ليس فقط في حياة النساء، بل في حياتي المهنية والشخصية، فهذا البرنامج وفر لي فرصة عمل وخبرة جديدة في إدارة المشاريع وتوجيهها. 

الدليل الأبرز على نجاح البرنامج كان في قصص النساء اللواتي شاركن في اللقاءات الإرشادية. إحدى المشاركات قالت: "بفضل الإرشاد الذي تلقيته، أصبحت قادرة على وضع أهداف واضحة لمشروعي، وأصبحت مبيعاتي تزداد بشكل مستمر. لم أعد أشعر بالعزلة في رحلتي، بل أصبح لدي دعم دائم يساعدني على التقدم." 

كذلك، ذكرت إحداهن أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعّال ساعد في جذب عملاء جدد. وهذا كان دليلاً قوياً على أن ما نقدمه من إرشاد لم يكن مجرد نصائح نظرية، بل كان له تأثير حقيقي على أرض الواقع. 

إذا كانت هذه النتائج التي تحققها النساء اليوم رائعة، فإنني أعتقد أن المستقبل يحمل المزيد من الفرص. لدي رؤى لتوسيع البرنامج لكي يشمل المزيد من النساء من مختلف المناطق. كما أرى ضرورة تعزيز الشراكات مع مؤسسات أخرى لتوفير موارد إضافية، وإنشاء منصات تواصل دائمة بين النساء صاحبات المشاريع لتمكينهن من الاستمرار في التعلم ومشاركة الخبرات. 

ما يميز هذا البرنامج هو استدامته، ولهذا فإن الخطوة القادمة هي إنشاء مجتمع داعم يتبادل فيه السيدات تجاربهن ويساهم في تعزيز فرصهن في السوق المحلي والدولي. أؤمن أن هذا الدعم المستمر سيزيد من فرص نجاح النساء في المشاريع الصغيرة على المدى الطويل. 

وعندما أرى تأثير الدعم الذي قدمناه في حياة النساء، أدرك تمامًا أن النجاح لا يتحقق إلا عندما يشعر الجميع بالدعم ويصبحون مستعدين  لتغيير واقعهم. وهذا يذكرني باقتباس مؤثر للكاتب ميشيل أوباما الذي يقول بأن: 

"النجاح لا يعني فقط تحقيق الأهداف الشخصية، بل يعني أيضًا القدرة على رفع الآخرين ومساعدتهم على الوصول إلى طموحاتهم." 

Photos